الحمد
لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على إمام المرسلين وخاتم النبيين
ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه والنور الذي
أنزل معه إلى يوم الدين
وبعد
فنحن في أيام هي من أفضل أيام الله
تعالى التي يفتح فيها الباب أمام خلقه فمن أراد أن يجدد مع الله تعالى عهدا
ويبدأ صفحة جديدة فليكن في هذه الأيام فهي من أنفس أوقات العام
وقد
ورد عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في فضلها وفضل العمل فيها ما يغري
بالاجتهاد في التقرب من الله تعالى أملا في محو الذنوب وستر العيوب
فأيامها من أحسن الأيام وكذا لياليها فهل من مقبل على الله تعالى معترف
بتقصيره راجٍ عفوه ومغفرته لعل الله أن يتقبله ويعفو عنه ؟
هذه
الأيام هي التي أقسم الله تعالى بلياليها في قرآنه فقال جل جلاله: ( والفجر
وليال عشر) والليالي العشر هي العشر الأول من ذي الحجة
وأقسم بأيامها
فقال ( واذكرو الله في أيام معدودات) والأيام المعدودات هي أيام العشر
الأوائل من ذي الحجة ، فأيامها شريفة ولياليها شريفة والعمل فيها مرغب فيه
ففي
حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من أيام أعظم عند الله و لا أحب إليه
العمل فيهن من هذه الأيام العشر، و لا ليالي أفضل من ليالهين قيل : يا رسول
الله هي أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله ؟ قال : هي أفضل من عدتهن جهادا
في سبيل الله إلا من عفر وجهه تعفيرا و ما من يوم أفضل من يوم عرفة )
وفي
حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أفضل أيام
الدنيا أيم العشر قالوا : يا رسول الله و لا مثلهن في سبيل الله ؟ قال : و
لا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه بالتراب )
فينبغي للمؤمن العاقل
الفطن أن يغتنم هذه الفرصة التي قد لا تكرر فمن يدري لعله لا يكون من
الأحياء في العام القادم، فتعرضوا لنفحات الله تعالى في تلك الأيام
المباركة عسي أن تفوزوا من الله بالقبول
واغتنام هذه الأيام يكون
بالتوبة إلى الله تعالى من الذنوب وغسل اليد والقلب منها والإعراض عنها
أبدا إلى آخر الدهر كي يفتح المؤمن صفحة جديدة مع ربه وما أجمل أن تكون
البداية في هذه الأيام المباركة الشريفة التي لا تعدلها غيرها
فليبدأ المسلم مع الله من الآن وليبتعد عن المعاصي وليكثر من الطاعت عسى أن يقبله الله
طاعة الله خير ما لزم العبـ ... د فكن طائعا و لا تعصينْه )
( ما هلاك النفوس إلا المعاصي ... فاجتنب ما نهاك لا تقربنْه )
( إن شيئا هلاك نفسك فيه ... ينبغي أن تصون نفسك عنْه )
فإياي
وإياك أخي الكريم الحبيب من المعصية في تلك الأيام فإنها بلاء مبين وشر
عظيم يحرمك المغفرة من الله تعالى ونعوذ بالله ونعيذكم من الحرمان
أيضمن لي فتى ترك المعاصي ... و أرهنه الكفالة بالخلاص
أطاع الله قوم فاستراحوا ... و لم يتجرعوا غصص المعاصي
فاحذروا
المعاصي فإنها تحرم المغفرة في مواسم الرحمة وروى المروذي في كتاب الورع
بإسناده عن عبد الملك بن عمير عن رجل ـ إما من الصحابة أو من التابعين ـ :
أن آتيا أتاه في منامه في العشر من ذي الحجة فقال : ما من مسلم إلا يغفر له
في هذه الأيام كل يوم خمس مرارا إلا أصحاب الشاء يقولون : مات ما موته
يعني أصحاب الشطرنج فإذا كان اللعب بالشطرنج مانعا من المغفرة فما الظن
بالإصرار على الكبائر المجمع عليها ؟
اللهم إنا نسألك العفو والصفح يا الله
واغتنامها يكون بالصوم منها على قدر الاستطاعة، فقد ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم منها
ولو لم يرد دليل على الصوم لم يكن ممنوعا لأنه من أفضل الأعمال المرغب فيها في جميع أوقات السنة فكيف بتلك الأيام العالية القدر؟
واغتنامها يكون بالإكثار من ذكر الله تعالى فإن الذكر من أفضل الأعمال التي تقرب من حضرة الملك جل جلاله
وأدم ذكرَه على كل حالٍ إنما ذكرُه طريق الفتوحِ
لذة الذكر لووقفت عليها قلت من لي بهابأهلي وروحي
وقد
ورد الترغيب في الذكر في أيام العشر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (
فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) وكان أبو هريرة وابن عمر رضي
الله عنهما يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما
روى أبو
داود عن مجاهد قال (كان أبو هريرة و ابن عمر يأتيان السوق أيام العشر
فيكبران و يكبر الناس معهما و لا يأتيان لشيء إلا لذلك) وهذا التكبير إنما
هو إظهار لشكر الله تعالى في تلك الأيام المباركة
واغتنامه يكون بإحياء
لياليها التي أقسم بها رب العالمين في كتابه الكريم فقال ( والفجر وليال
عشر) وإحياء الليل بالقيام بين يدي الله تعالى والتقرب إليه والتودد له
والبكاء بين يديه وطلب الصفح عن الذنوب والعفو عن الزلات وغفران السيئات
فماأكثر ما عصينا الله تعالى في الخلوات واغتنمنا سواد الليل لنلهو ونلعب
ونجاهر الله بالمعاصي فما أحلم الله عنا حين رآنا على المعصية فأمهلنا!
فلتبدأ أخي الفاضل في استبدال ما عصيت الله فيه من الليالي بالطاعة ف (إن
الحسنات يذهبن السيئات) كما قال بارئ الكائنات في كتابه الكريم
ليالي العشر أوقات الإجابة ... فبادر رغبة تلحق ثوابه )
( ألا لا وقت للعمال فيه ... ثواب الخير أقرب للإصابة )
( من اوقات الليالي العشر حقا ... فشمر واطلبن فيها الإنابة
غنيمة
الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة فما منها عوض و لا لها قيمة
- المبادرةَ المبادرة َ بالعمل و العجلَ العجلَ قبل هجوم الأجل - قبل أن
يندم المفرط على ما فعل قبل أن يسأل الرجعة فيعمل صالحا فلا يجاب إلى ما
سأل - قبل أن يحول الموت بين المؤمل و بلوغ الأمل - قبل أن يصير المرء
مرتهنا في حفرته بما قدم من عمل
يا من ذنوبه بعدد الشفع و الوتر أما
تستحي من الكرام الكاتبين ؟ أم أنت ممن يكذب بيوم الدين ؟ يا من ظلمة قلبه
كالليل إذا يسري أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين تعرض لنفحات مولاك في هذا
العشر فإن فيه لله نفحات يصيب بها من يشاء فمن أصابته سعد بها آخر الدهر
نسأل
الله تعالى أن يتقبلنا وإياكم وأن يجعل هذه الأيام العشر في ميزان حسناتنا
(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها
وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد)
ومن أراد
المزيد عن تلك الأيام ففي كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي رحمه الله
وقد استعنت ببعض ما فيه ونسأل الله لنا ولكم القبول
الثلاثاء أبريل 26, 2011 12:08 am
موضوع: فضل العمل في أيام العشر الأوائل من ذي الحجة 
